أ . بدر الشبيب * - 29 / 3 / 2009م - 8:33 ص
قال لي صديقي:
رأيت في المنام الفانوس السحري الذي لم أره من قبل إلا في المسلسلات التلفزيونية، فركته بيدي فخرج لي العفريت المارد، كانت صورته غير الصورة المألوفة في ذهني ، فهو حليق اللحية والشارب في شكل يوحي بالحداثة.
ردد عبارته المعروفة بلهجة مصرية كالعادة: شبيك لبيك.
وبدون أدنى تفكير قلت له: أريد أن أكون مواطنا.
ضحك العفريت ضحكة مجلجلة حتى كاد يسقط على قفاه قائلا: أنتم في القرن الواحد والعشرين وما زلتم تطلبون هذه الطلبات السخيفة؟! لقد أصبح باراك حسين أوباما رئيسا للدولة العظمى الأولى العالم وهو من أصل كيني، وأصبح قبله نيكولا ساركوزي رئيسا لفرنسا وهو من أصل هنغاري، وأصبحت كوندليزا رايس وزيرة لخارجية أمريكا، وسبقها في هذا المنصب كولن باول الذي تسنم أيضا رئاسة هيئة الأركان وهما من أصل أفريقي، وأصبح..
قاطعته قائلا: عفوا، هل تعرفني؟!
قال: ومن ستكون؟ إن هذه الطلبات تدل على أنك من بلاد العرب، أو ما نسميها نحن الجن عربستان.
قلت له: وشيعي أيضا.
شهق العفريت وقال: إذن أنت تطلب المستحيل.
قلت له: وهل عليك من مستحيل، أنا لم أطلب عرش بلقيس.
قال: هذا أصعب. ولكني من منطلق عملي في مجال حقوق الإنسان، بعد أن استوفى الجان حقوقهم، سأحاول أن ألبي طلبك رغم ما يكتنف ذلك من خطر على حياتي، إلا أني أعتقد أن الأمر يستحق المخاطرة، إنني أنتمي للمدرسة التجريبية.
طلب مني أن أغمض عيني، وقال لي: عندما تفتح عينيك بعد قليل سيتغير الحال تماما، عليك أن تستوعب الصدمة حتى لا تصاب بسكتة قلبية أو جلطة دماغية.
فتحت عيني بعد أن أصدر أمره إلي فرأيت العجب العجاب.
قلت لصاحبي وقد تشوقت لسماع رؤياه: ماذا رأيت؟ قل لي بسرعة.
قال:كنت أقود سيارتي متجها إلى القطيف عبر شارع المحيط، كان الشارع غير الشارع، لم يصبغ الشارع المعمر شعر رأسه ولحيته، بل تحول من ( رستة ) كما كانت تسميه جدتي إلى ( هاي واي )، وتغير اسمه إلى طريق الإمام الجواد، لم أستوعب هذا التغيير ولكني تماسكت متذكرا نصيحة صاحب الفانوس.
فتحت المذياع، بدأت نشرة الأخبار، كادت السيارة أن تطير في السماء عند سماعها أول خبر: تعيين السيد علوي العلوي وزيرا للتنوع والمساواة.. ثم توالت التعليقات الإيجابية التي تبشر بعصر جديد من الانفتاح والتسامح. تذكرت على الفور ما فعله الرئيس ساركوزي من تعيينه يزيد صايغ، من أصل جزائري، مفوضا للتنوع والمساواة في فرنسا، استبشرت خيرا.
سرح خيالي بعيدا فقطعت إشارة المرور دون أن أنتبه، أوقفني شرطي المرور، وبعد تحرير المخالفة ذهبنا سويا لشرطة المرور، تفاجأت أن مدير شرطة المرور من القطيف، سألته مندهشا: ما الذي يحدث؟
فأجابني: لقد تغير الحال، لقد أصبحنا متساوين في المواطنة مع بقية إخواننا المواطنين.
قلت له: لقد سمعت للتو خبر تعيين وزير شيعي، وهذا الخبر أسعدني جدا.
قال لي: هناك الكثير من الأخبار السارة، فمدير الشرطة ورئيس البلدية هما أيضا من القطيف. لقد زادت حصة الشيعة في مجلس الشورى بما يتناسب وحجمهم، وأصبح بإمكانهم تقلد كافة المناصب الرسمية كوزراء ودبلوماسيين، والعسكرية كضباط شرطة وقادة جيش وطيارين في السلاح الجوي، ورئاسة الهيئات الحكومية والشركات العامة.
سألته بفضول: ماذا عن نسائنا؟ هل بإمكانهن أن يصبحن مديرات مدارس؟
قال: بالتأكيد، وربما أرفع.
قلت مازحا: تقصد سفيرة في الأمم المتحدة مثلا، كما حدث مع البحرينية اليهودية هدى نونو؟!
قال: ولم لا، إنهن ليسو أقل كفاءة منها ولا أقل ولاء لوطنهن.
ثم أردف قائلا: ومن الأخبار السارة أيضا أنه تم سن قوانين تجرم وتدين كل ممارسة للتمييز الطائفي.
بعد ذلك أخذني للتوقيف، حيث قضيت فيه يوما كاملا كان من أسعد أيام حياتي، فالغرفة واسعة مهيأة بكل وسائل الراحة، وبها مكتبة صغيرة تحتوي بالإضافة للقرآن الكريم كتاب (قاعدة حسنة في الباقيات الصالحات لابن تيمية) وإلى جانبه كتاب (مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي). كان الموقوفون منسجمين رغم اختلافهم المذهبي، وكانت لغة الحوار هي اللغة السائدة.
خرجت من تجربة التوقيف وأنا في غاية السعادة والسرور، وقدت سيارتي مرة أخرى متجولا في شوارع القطيف الفسيحة، استوقفني الجمال الأخاذ لمبنيين متجاورين تزينهما الأعمدة الرخامية والتزيينات الجصية والنقوش الجميلة، كتب على الأول: وزارة العدل- المحكمة الجعفرية الكبرى بالقطيف، وعلى الثاني: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف- هيئة الأوقاف الجعفرية.
فقدت توازني، كانت الدموع تنهمر مني بغزارة وأنا في أشد حالات الفرح، توجهت إلى منزلي، كان المنظر على جانبي الطريق يغري بالمزيد من الاستكشاف، فالحسينيات والمساجد والمكتبات اكتست حلة جديدة، وكنت أشاهد الإعلانات عن المناسبات الدينية وعن الإصدارات الشيعية الجديدة تملأ اللوحات الضوئية في الشوارع.
وصلت البيت، استقبلتني ابنتي مبشرة بمديرتها القطيفية الجديدة، طلبت منها كتبها المدرسية، استللت كتاب الفقه، فركت عيني جيدا، هل حقيقة ما أرى؟! لقد تغير عنوانه ليصبح: الفقه في ضوء المذاهب الإسلامية، تصفحت الكتاب سريعا فازداد عجبي، لقد رأيت رأي مدرسة أهل البيت ضمن الآراء الأخرى..
قلت في نفسي: يا سلام، ولا في الحلم.
ألقيت نظرة سريعة على بقية المناهج فوجدتها خالية من إشارات التبديع والتفسيق والتكفير للطائفة الشيعية أو الصوفية وغيرهما من الطوائف الإسلامية، بل وجدتها تتحدث عن التعايش السلمي وحقوق الإنسان وتدعو إلى الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة.
قلت في نفسي: إنني أشعر الآن بالسعادة الغامرة، فقد أصبحت بالفعل مواطنا شريكا في الوطن. لماذا لم يحدث هذا من زمن بعيد؟!
فكرت وأنا في الحلم ماذا أفعل، هل أقص هذه الرؤيا على إخوتي، أم أسكت أخذا بنصيحة جدتي التي كانت تقول لي دائما ونحن في أشد حالات الفقر: يا ولدي إذا نبهوك على خزنة (أي أيقظوك على كنز) فلا تخبر أحدا قبل اكتشافه لأنه سيتحول إلى خشوف، أي إلى قطع فخارية مكسرة لا تساوي شيئا، وكانت تشير كغيرها من نساء القرية ورجالها إلى حالة واحدة في القرية تكتم صاحب الحلم فيها على حلمه فاكتشف الكنز في حالة غير خشفية.
وبين التردد والحيرة فكرت في أخذ الخيرة، وبرغم معرفتي بمعارضة الشيخ حسن الصفار لها، قررت الاتصال به لأنني في حلم أولا ولأن الظروف قد تغيرت كما ظهر لي في الحلم، وكم كانت دهشتي عندما قبل الشيخ الفكرة، وبعد أن أمهلني قليلا قال لي: وأما بنعمة ربك فحدث.
انتبهت من النوم بعد هذه الكلمات، فركت عيني، أين المصباح؟ هل تغير الحال فعلا، اتصلت بك يا صديقي مباشرة فأنت خزانة أسراري، وها أنذا أبوح إليك بما كان، فهل يصدق الحلم؟!
أجبته بعتاب شديد: يا عزيزي لقد صدقت جدتك...